منذ وصوله إلى قيادة الجيش، والعماد جوزيف عون يضع نصبَ عينيه موضوع تسليح الجيش، في ظلّ انكماش الوضع الاقتصادي وارتفاع المديونية العامة وضمورِ الميزانية المخصّصة للجيش، والتي في أغلبها تذهب إلى الرواتب.
وفي حال كهذه، يعتمد الجيش بشكل أساسي على المساعدات والهبات التي ترِده من البلدان الصديقة، وقد حقّق نقلةً نوعية في تلك المساعدات، نتيجةً للثقة الكبيرة بقدرةِ واحترافِ وحداتِ الجيش في مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد عملية «فجر الجرود» التي وضَعت الجيش في مرتبة الجيوش المتقدّمة التي تستحقّ الدعمَ والمساندة، وقد سُجِّلَ في السنوات الأخيرة تقدُّم ملحوظ في حجم المساعدات الغربية للجيش، خصوصاً الأميركية، على شكل تدريب الوحدات الخاصة وأفواج التدخّل وأفواج الحدود، وتقديم أسلحة يحتاجها الجيش في قتاله الإرهاب، ومنها المدافع عيار 155 ملم والقنابل الذكية، بالإضافة الى طائرات الاستطلاع بلا طيّار وكاميرات المراقبة الليلية والحرارية، وصولاً إلى طائرات الـ«سيسنا» التي كان لها الفعالية القصوى في تأمين المراقبة الجوّية وتقديم الدعم الناري لوحدات الجيش في عملياته في الجرود الشرقية، وليس انتهاءً بطائرات الـ«سوبر توكانو» البرازيلية الصنع والتي حدَّثها الجيش الأميركي، والمزوّدة بأجهزة مراقبة ورماية حديثة، وقد استلمَ الجيش إثنتين منها، على أن يصل الباقي أواخر الشهر الجاري، وذلك بعد تدريب الطيّارين اللبنانيين على قيادتها، وفريقٍ من التقنيّين التابعين للقوّات الجوّية على صيانتها، وسيقام احتفالٌ رسمي في قاعدة حامات الجوّية يَحضره وفدٌ عسكري أميركي رفيعُ المستوى قادمٌ خصيصاً لهذه المناسبة.
والدعم العسكري الأميركي ليس مشروطاً بعدم تقبّلِ هباتٍ من بلدان أخرى، فروسيّا والصين أبدتا رغبةً في تقديم الدعم العسكري إلى الجيش، لكن بقي هذا الدعم في الإطار النظري فقط، مع الملاحظة أنّ الصين عرَضت مساعدة بقيمة 10 ملايين دولار أميركي لاستخدامها في مجال الاتصالات.
بالإضافة إلى الدعم العسكري الأميركي، فقد تلقّى الجيش من الأردن منذ بضعِ سنوات 10 دبابات نوع م 60 أميركية الصنع بسعر زهيد، وهي دبابات ليست حديثة، بل مُحدَّثة، أي مزوَّدة بأجهزة رؤية ليليّة ونظام رماية بالتسديد بواسطة الليزر، وقد اشتركت تلك الدبابات بفعالية بمعركة «فجر الجرود»، لذلك، وخلال زيارته الأخيرة إلى الأردن، زار قائد الجيش مشغلَ تحديث الآليات المدرّعة، وبعد مقابلتِه الملك، أعرَب العاهل الأردني عن رغبته في زيادة عدد الدبابات نوع م 60 ليصلَ إلى 30 دبابة، أي ما يعادل كتيبة دبابات، وبالسعر الزهيد ايضاً، وطلبَ القائد صيانة وتحديثَ تلك الدبابات ليتمّ تجهيزُها بجهاز استقرار، أي لتتمكّن من الرمي خلال الانتقال في أرض المعركة.
تسليح الجيش هو أولوية مطلقة عند قيادته، ويَحظى بدعمٍ كامل من السلطة التنفيذية ممثَّلةً برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي أبدى خلال زيارته الى الوحدات المنتشرة في جرود رأس بعلبك والقاع، استعدادَه الكامل لتسهيل عملية تمويل تسليح الجيش، كذلك وزير المال الذي حرصَ على تأمين الموارد اللازمة.
خلاصةُ القول أنّ الجيش، في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب، يعتمد في تسليحه بشكل أساسي على الهبات التي تُعرَض من بلدان صديقة، هذه الهبات التي هي بغالبيتها أسلحة مستعملة، تحتاج إلى عمليات صيانة وتحديث، تبقى أقلَّ بكثير من السلاح الحديث الباهظ الثمن، والذي يحتاج إلى مبالغ طائلة لصيانته وتشغيله واستخدامه، ومثال على ذلك، فإنّ سريّة دبابات فرنسية الصنع (10 دبابات) نوع «لوكليرك» الحديثة الصنع، تصل كلفةُ صيانتها السنوية، من دون الرماية والتدريب، إلى مليون يورو، لذلك فتحديث وصيانة العتاد والسلاح المستعمل وإعادة استخدامه، هو أقلُّ كلفةً بكثير من السلاح الحديث الذي لا طاقة على اقتنائه في وضعٍ ماليّ واقتصاديّ مترَدٍّ، من هنا تأتي الهبات المدروسة وتحقيقُ السلاح بأسعار زهيدة كمصدر رئيسي في تسليح الجيش، الذي يحتاج في تنفيذ مهمّاته إلى تلك الهبات ويَعمد إلى تطويرها وزيادتها مستنداً إلى العلاقات الجيّدة التي تربطه بالجيوش الصديقة، وإلى النتائج الممتازة التي حقّقها في معاركه ضدّ الإرهاب.